خلدون المصري لـ”أحوال”: نادي “الرياضة والأدب” بيتي رغم تخلّيه “المرّ” عنّي
أضعتُ فرصة الإحتراف في اليونان.. وإدارة "كوفنتري الإنكليزي" صدمتني
تقلّبت حياة اللاعب “خلدون المصري” الكروية مرارًا وتكرارًا، بين اللعب في لبنان والخارج، وضحّى بعروض أوروبية في بداية مسيرته من أجل الوقوف إلى جانب والده في مجال التجارة، حتّى استقرّ به الحال مع فريق مدينته طرابلس “الرياضة والأدب”، المعروف بـ”سفير الشمال”.
يروي المصري، المولود في 25 تموز/يوليو 1959، لـ”أحوال” أبرز محطّاته وذكرياته، فيقول: “بدايتي كانت انطلاقًا من الأحياء الشعبية على ملاعب رملية صغيرة، وكان الكشافون في نادي “الرياضة والأدب” يتابعون المواهب الصاعدة؛ وقد تم إختياري للعب مع فريق الناشئين يومذاك”، مضيفًا: “وبتشجيع من والدي وافقتُ على الانضمام إلى فريق عاصمة الشمال الأول، وواظبتُ على التمارين اليومية في الملعب البلدي تحت إشراف المدرب المصري “محمد شحاتة” الذي كان بمثابة الأب الروحي، وتدرجتُ من الفريق الرابع إلى الثاني خلال فترة زمنية قصيرة حيث كان عمري حوالي 13 عامًا”. ويتابع المصري: “وفي عام 1974، لعبتُ للفريق الأول فأشركني شحاتة في المباراة أمام الشبيبة المزرعة، وفور دخولي أرض الملعب في منتصف الشوط الثاني، لعبتُ برجولة الكبار وكانت لحظة لا يمكن وصفها من فرط السعادة التي غمرتني”.
ومع بداية الأحداث الدامية التي عصفت بلبنان عام 1975، توقّف النشاط الكروي، لكن المصري لم يبتعد عن معشوقته المستديرة؛ فكان يتشارك مع بعض رفاق الدرب أمثال بلال وواصف الصوفي وزياد شلبي وناصر زغموط وجمال معصراني وغيرهم في الدورات الشعبية، حتى اضطر إلى السفر خارج لبنان.
من هنا، يلفت المصري في حيثه لموقعنا إلى أنه ومع اشتداد أتون الحرب، أرسله والده إلى إنكلترا عام 1977، حيث لعب هناك مع نادٍ للهواة، ثمّ مع فريق “نصف محترف”، بحسب تعبيره، يُدعى “lion”، حيث كانت تجربة “ممتازة” بالنسبة له كونه لمس معنى أصول كرة القدم كما ارتفعت لياقته البدنية وزاد تركيزه الذهني، مضيفًا: “ومن المعروف أن البطولة الإنكليزية هي الأصعب عالميًا، إلا أنه ومن شدّة إعجاب المدرّب بمهاراتي، أرسلني لإجراء إختبارات مع نادي “كوفنتري” الشهير، وطلب مني أن أقول للإداريين إنني إنكليزي الجنسية، ولن عندما طلبوا أوراقي الثبوتية وتبيّن أنني لبناني، اعتذروا مني لأنه لا يُسمح بالاحتراف لأي لاعب أجنبي في ذلك الوقت، وهذه الحادثة كانت بمثابة الصدمة الكبيرة لي”.
وبعد سنتين، سافر المصري إلى الولايات المتحدة، ولعب لفترة قصيرة مع أحد الفرق الجامعية هناك، ليعود إلى لبنان في العام التالي حيث لعبت مجددًا مع “الرياضة والأدب”، فكانت هذه المحطة بداية انطلاقته القوية في مركز “الجناح الأيمن” أمام فريق “الأنصار” الذي زار طرابلس، “ويومها سجّلتُ هدفين في مرمى “شيخ الحراس” عبد الرحمن شبارو”.
ويتابع المصري كلامه بالإشارة إلى أنه غادر لبنان مرّة جديدة، وكانت وجهته اليونان، حيث تدرب مع فريق من الدرجة الثانية في منطقة “سالونيكي”، فأُعجب المدرّب بفنيّاته وطلب منه أن يجتمع مع الإدارة التي عرض عليه مبلغ 40 ألف دولار لمدّة ستة أشهر، على أن يصبح المبلغ 100 ألف دولار سنويًا لمدّة 3 سنوات، “ولكن والدي وجد نادٍ من الدرجة الأولى، إسمه “هيراكليس”، بإعتبار أن القيمة المالية قد تكون أكبر؛ وبالفعل تدربتُ تحت إشراف المدرّب الألماني “كراوس”، الذي كان لاعبًا مرموقًا في فريق “شتوتغارت” العريق، وخضتُ أول مباراة تجريبية ونجحتُ في تسجيل هدف، إلا أن أبي تراجع عن فكرة إحترافي وقرّر إعادتي إلى لبنان، وهكذا ضاعت فرصة العمر؛ ولكني مؤمن بالقدر وما كتبه الله عز وجل لي، وأعتبر أن كل شيء في الحياة “قسمة ونصيب”، بحسب قوله.
إرتجاج في المخ
تعرّض خلدون المصري لإصابة قوية في الرأس عام 1986 خلال مباراة ضد فريق “الصفاء”، بعدما وجّه له حارس المرمى لكمة قوية أدمته وأفقدته الوعي، فتسبّبت بارتجاج في المخ وأبعدته عن الملاعب حوالي السنة، أجرى خلالها 3 عمليات جراحية تزامنًا مع قرار إدارة النادي باستبعاده كونه لم يعد مؤهلًا للعودة إلى الملاعب؛ ولكن المصري تحامل وصبر وبدأ يتدرّب صبيحة كل يوم “سرًا” في الملعب البلدي، حيث كان مسؤول الملعب والحارس الطرابلسي الشهير سابقًا، الراحل أحمد صباغ “أبو حلمي” يفتح له الأبواب. وبعد إكتمال لياقته، طلب المصري من المدرّب أن يشارك في تمارين الفريق، وبالفعل عاد رويدًا رويدًا إلى ناديه وأدهش الجماهير ورفاقه بلياقته العالية واستعادة التركيز الذهني والسرعة التي هي بالأصل سمة من سماته.
المنتخب والمدربون
أما عن التجربة الدولية مع منتخب لبنان، فيصفها خلدون المصري في حديثه لموقعنا بـ”الناجحة” على الرغم من عدد المباريات القليلة بسبب الظروف الأمنية آنذاك؛ ولعلّ أبرز الذكريات المحفورة في ذهنه “كانت في بطولة كأس العرب 1988 في الأردن، يوم تعادلنا مع العراق وتونس وهزمنا السعودية، وكذلك في المباراة أمام تونس حيث كنت نجم اللقاء، وبعد انتهاء البطولة أبلغتُ المدرّب “زين هاشم” عن نبأ اعتزالي اللعب دوليًا، فقررتُ المغادرة وأنا في قمّة العطاء لترك صورة جميلة لدى الجماهير”.
تأثّر المصري بعدد غير قليل من المدربين الذين أشرفوا عليه كما يذكر، أبرزهم المصري “محمد شحاتة” الذي صقل موهبته كما ينبغي، إلى جانب وليد قمر الدين وزياد بقسماطي وزين هاشم وسمير العدو وإميل رستم، ومدرّب روماني في الولايات المتحدة، والمدرب الألماني “كراوس” في اليونان. وفي هذا السياق، يلفت المصري إلى أن التمارين المكثّفة والفردية هي سبب تميّزه عن باقي رفاقه في نادي “الرياضة والأدب”، مضيفًا: “أما من ناحية السرعة والقوة البدنية، فأنا لست راضٍ عن مسيرتي بنسبة كبيرة، ولو عاد الزمان بي إلى الوراء لتدرّبت أكثر وركّزت على عروض الإحتراف في الخارج، ولكن في نهاية المطاف هذا قدري كما يبدو وأنا لا طاقة لي به”.
خارج “أسوار” الرياضة والأدب
عام 1993، اختتم خلدون المصري مسيرته مع فريق الحكمة البيروتي، حيث يقول في هذا الصدد لـ”أحوال”: “للأسف قررت إدارة نادي الرياضة والأدب الاستغناء عن بعض رموز الفريق بحجّة كبر سنّهم، وكان أبرزهم الأخوين واصف وبلال الصوفي وأنا، علمًا أن الجميع يعرف تاريخ هذا “الثالوث”، فاتّجهنا نحن الثلاثة إلى نادي الحكمة ولعبنا موسمًا مميزًا، مضيفًا: “وشاءت الصدف يومها أن يبقى فريق الحكمة في مصاف نوادي الدرجة الأولى، بينما هبط “الرياضة والأدب” إلى الدرجة الثانية وسط غضب عارم من الجماهير الطرابلسية التي ألقت اللوم على الإدارة بعد تخلّيها عن كوكبة من اللاعبين. للأسف، يأتينا أحيانًا أشخاصًا لا يفقهون “ألف باء كرة القدم”، وعندها تقع المصائب”.
ولكن على الرغم من كل ما حصل، يؤكد المصري أن “الرياضة والأدب” يبقى بيته الثاني، وأحيانًا الأوّل لأنه قضى فيه أحلى أيام عمره، وأعطاه زهرة شبابه، بحسب تعبيره.
لحظات سعيدة
يفخر المصري بكلّ ما قدّمه لمدينة طرابلس ولفريقها “الرياضة والأدب” في جيله “الذهبي”، فيقول: “أعتزّ بأنّنا كنّا جيلًا رائعًا يلعب بمحبّة ودفاع عن إسم مدينة الفيحاء؛ تشرفتُ باللعب إلى جانب الأخوة أحمد ووليد ومروان وغسان قمر الدين، والأخوين واصف وبلال الصوفي وعزام مبيض وعمر مصطفى ونبيل عياد وغيرهم”، مضيفًا: “ومن أجمل اللحظات عندما نلعب ضد الفرق البيروتية في عقر دارها. فعندما نلعب ضد الأنصار، كانت جماهير النجمة تحتشد في المدرجات لتؤازرنا طيلة المباراة والعكس صحيح، فكان فريق الرياضة والأدب حديث الساعة في العاصمة قبل أي لقاء، ومن دواعي سروري أن فريقي كان الممثل الأول للمدينة ولمحافظة الشمال عمومًا”.
إنحدار “فني وأخلاقي”
يرى المصري أن مستوى اللعبة في هذه المرحلة قد انحدر “فنيًا واخلاقيًا”، وبات الغرور السّمة الفارقة للاعبي اليوم، إذ أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت ركيزة أساسية في حياة اللاعب الذي يتابع ما يكتبه عنه المعجبون، “وهذا يوصل إلى الهلاك والمزيد من الغرور”، بحسب قوله، “على عكس ما كان يحصل في الماضي، فإذا ما ورد إسم اللاعب في صحيفة أو على محطة التلفاز، فإن فرحته كانت لا توصف وقد لا ينام في ليلته من شدة الحبور”.
يختم المصري حديثه متوجّهًا بالشكر إلى موقع “أحوال” الذي يفتح نافذة على نجوم الماضي، الذين ضحّوا بصمت في عزّ الحرب الأهلية حبًا في لعبة كرة القدم، وأغلبهم كانوا لا يتقاضون رواتب شهرية بل يبذلون من وقتهم في سبيل أن يبقى إسم لبنان عاليًا، على غرار ما حصل عام 1985 حين لبّى فريق “الرياضة والأدب” نداء الواجب، وأرسل لاعبيه إلى المنتخب الوطني للمشاركة في تصفيات كأس العالم التي أُجريت في الكويت، على الرغم من سوء النتائج المسجلة، لأن الفيفا كان قاب قوسين من شطب إسم لبنان من اللائحة الدولية في حال تخلّفه عن المشاركة في تلك التصفيات، “وبالفعل تم تحضير المنتخب في أحلك الظروف، وسط إنقسام البلاد وإرتفاع حدة القصف المدفعي المتبادل، فسافرت البعثة عن طريق سوريا وأدّى المنتخب واجبه رغم التحضيرات الضعيفة”.
سامر الحلبي